إسبانيا، الموقع والسمات الجغرافية
عندما ننظر إلى خارطة القارة الأوربية ونرى سواحلها وأطرافها وكأنها تشبه جسم حيوانٍ زاحفٍ قدماه الكبيرتان هما شبه الجزيرتين الإسكندنافية، والأناضول ويداه المبسوطتان هما الجزيرة البريطانية في الشمال وشبه الجزيرة الإيطالية في الجنوب، فإن شبه جزيرة أيبيريا أو إسبانيا والبرتغال المعروفتين اليوم تكون هي رأس هذا الجسم، الذي تترامى أطراف القارة الأوربية لترسم لنا شكله في خارطة العالم.. وهذا الرأس، هو في الحقيقة رأس أوربا المطل على الجنوب والمتصل بإفريقية من جهة المغرب، لهذا كانت أهميته الإستراتيجية البالغة عبر مراحل التاريخ المتتابعة كحلقة الاتصال المباشر بين شمال البحر المتوسط وجنوبه وميدان الصراع المتواصل بين حضارات الجنوب وحضارات الشمال من جهة، وبين حضارات الشرق وحضارات الغرب من جهة أخرى. ـ
ومع كون القارة الأوربية كياناً معزولاً من الناحية الجغرافية عن بقية الكتلة اليابسة المكونة للعالم القديم حيث تقع جبال الأورال ومرتفعات القوقاز في الشرق حائلةً بين السهل الروسي وبين ما ورائه من الصحاري السيبيرية وأصقاع آسيا، وتقف عدة بحار هي قزوين والبحر الأسود ومرمرة وإيجة حائلةً بين الجنوب الشرقي لأوربا وبين آسيا الصغرى، تاركة ممرين ضيقين بين البلقان والأناضول هما البوسفور والدردنيل، ولا يبقى بعد ذلك إلا البحر المتوسط في الجنوب، فاصلاً بين سواحل وجزر أوربا وبين سواحل إفريقية السمراء، وبحر الشمال والمحيط المتجمد الشمالي وهي مساحات شاسعة مترامية من المياه والثلوج لا تفضي إلى أرض مأهولة أو شعوب متحضرة، لهذا فقد كانت القارة الأوربية دائماً ذات طبيعة تاريخية خاصة ناتجة عن اختلاف الوضع الجغرافي وتميزه عن بقية قارات العالم القديم، وظلت شبه الجزيرة الإسبانية هي الرأس المتدلي جنوباً وكأنه وجه أوربا الناظر إلى إفريقية وبقية العالم القديم، وكانت سواحل إسبانيا الشرقية منذ القدم هي السواحل المواجهة لفينيقية وبلاد الشام والتي تستقبل تجارة الفينيقيين (العرب الأوائل في سواحل لبنان وفلسطين) عبر المتوسط ومعها ثقافتهم وعقائدهم كذلك.. كما أن وقوع إسبانيا على دوائر عرض مشتركة مع بلاد الشام وجنوب الأناضول جعل ظروف المناخ وطبيعة المحاصيل الزراعية وطبيعة أراضيها عموماً متشابهة إلى حد بعيد مع تلك البلاد النائية ما زاد من أسباب التقارب والتواصل بين شعوب المتوسط على ضفتيه الشرقية والغربية. ـ
وعلى مر العصور كانت شبه الجزيرة الإسبانية هي صفحة اليابسة المواجهة للمشرق وهي في الوقت نفسه وجه أوربا وعينها المطلة على فضاء المحيط الأطلنطي اللامتناهي والذي كان يطلق عليه في الماضي "بحر الظلمات"، وكان من الطبيعي في إطار كل هذه المعطيات الجغرافية أن يصبح لإسبانيا هذا الموقع الاستراتيجي الفاعل عبر مراحل التاريخ المتوالية، وأن تكون شبه الجزيرة هي ميدان اللقاء والمواجهة والتفاعل بين أوربا المسيحية وبين العالم الإسلامي كلٌ بحضارته وتاريخيه ورسالته وأسباب ومظاهر القوى المعنوية الناعمة والقوى المادية القاهرة على السواء، كما أنه كان من الطبيعي والمعقول أن تنطلق اليد الأوربية من البر الأسباني لتتحسس ما وراء المحيط وليبصر الوجه الأوربي المطل على المحيط لأول مرة ساحلاً غربياً لهذا الامتداد الشاسع من المياه وليبدأ في كتابة صفحة جديدة من صفحات التاريخ الإنساني وتاريخ الحضارة البشرية وسنن الإمبراطوريات، كان كل هذا مترتباً على وقوع إسبانيا رقعة فاصلة بين شرق العالم وغربه، ومساحة يابسة واصلة بين جنوب العالم وشماله، وملتقىً للحضارات الإنسانية ومسرحاً للنزاعات ومدرسة من مدارس التاريخ تستحق منا أن نقرأ فيها ونتعلم سنن الحضارات ومآثرها ومراثيها، لندرك كيف يمكننا أن نكتب بأيدينا صفحات التاريخ للزمن القادم.. ـ
ومن الناحية الداخلية فإن شبه الجزيرة تبرز لنا وجهاً تضاريسياً يبدو بعض الشيء معقداً، ولكن قبل أن نخوض في الطبيعة التضاريسية لأرض الجزيرة، ينبغي أن نقف برهة عند أثر المعالم التضاريسية للأرض في رسم حركة التاريخ، فإننا لن نكون مبالغين حين نشبه حركة النزاعات بين الأمم والشعوب ومد الإمبراطوريات وصدام الحضارات بحركة الماء المنساب من أعلى تل إلى أدناه إذا قابلته كتلة من الصخور انحرف عن مساره إلى مسار آخر وإذا استوقفه سدٌّ علا وتجمع حتى يسلك طريقاً آخر أو يفيض من فوق السد فيستكمل حركته واندفاعه، وإنما تعمل الجبال والوديان والأنهار والبحار في سير حوادث التاريخ وحركة الأمم كما تصنع تلك الموانع الطبيعية البسيطة التي تصورناها في سير حركة الماء وتدفقه، فنحن حين ننظر إلى خارطة أوربا السياسية كما هي مرسومة اليوم أمامنا، لن يكون من قبيل المصادفة أننا نرى جل الحدود السياسية المرسومة متوافقة أو "متوقفة" على نحو ما عند معالم طبيعية كالأنهار أو سلاسل الجبال، فإيطاليا تستظل في الشمال بجبال الألب، وفرنسا تقف بين البرينيه في الجنوب ونهر اللورين والأراضي الوطيئة في الشمال، وبريطانيا تقف عند مضيق دوفر ويفصلها القنال الإنجليزي عن بقية البر الأوربي، وهذا مثال مبسط وواضح من واقع اليوم على أثر التضاريس والمعالم الطبيعية للأرض في تاريخ الأمم وسياسات الدول، وقد كان كذلك لطبيعة إسبانيا وتضاريسها أعظم الأثر في رسم صورتها عبر مراحل التاريخ المتتابعة بداية بحكم الرومان مروراً بغزو قبائل البربر، ثم الدولة الإسلامية، انتهاءً بالمملكة الكاثوليكية ثم إسبانيا الحديثة.. ـ
فإسبانيا تبدو للوهلة الأولى كهضبة كبيرة، وهي تحتوي على عدة سلاسل جبال أبرزها من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي: جبال كانتابريا ومرتفعات جليقية، سييرا جوادراما (جبال وادي الرملة)، سييرا مورينا (جبال الشارات)، سييرا نيفادا وهذه السلاسل الأربعة تخترقها مجموعة من الأنهار كلٌ يشكل وادياً يفصل إحداها عن الأخرى، وهي على نفس الترتيب: نهر دويرو، نهر التاجوس، نهر وادي يانة (جواديانا)، نهر الوادي الكبير (جواديلكيفير).. وقد رسمت هذه السلاسل بأنهارها الأربعة الفصول الأربعة لتاريخ إسبانيا منذ عام 711م وحتى عام 1492م، ومن فوق كل هذه التفاصيل أتت سلسلة جبال البرينيه لتكون الغطاء الذي يغلق العلبة على ما تحتويه، هذه العلبة بالطبع هي شبه الجزيرة الإسبانية التي نتحدث عنها.ـ
ومع كون القارة الأوربية كياناً معزولاً من الناحية الجغرافية عن بقية الكتلة اليابسة المكونة للعالم القديم حيث تقع جبال الأورال ومرتفعات القوقاز في الشرق حائلةً بين السهل الروسي وبين ما ورائه من الصحاري السيبيرية وأصقاع آسيا، وتقف عدة بحار هي قزوين والبحر الأسود ومرمرة وإيجة حائلةً بين الجنوب الشرقي لأوربا وبين آسيا الصغرى، تاركة ممرين ضيقين بين البلقان والأناضول هما البوسفور والدردنيل، ولا يبقى بعد ذلك إلا البحر المتوسط في الجنوب، فاصلاً بين سواحل وجزر أوربا وبين سواحل إفريقية السمراء، وبحر الشمال والمحيط المتجمد الشمالي وهي مساحات شاسعة مترامية من المياه والثلوج لا تفضي إلى أرض مأهولة أو شعوب متحضرة، لهذا فقد كانت القارة الأوربية دائماً ذات طبيعة تاريخية خاصة ناتجة عن اختلاف الوضع الجغرافي وتميزه عن بقية قارات العالم القديم، وظلت شبه الجزيرة الإسبانية هي الرأس المتدلي جنوباً وكأنه وجه أوربا الناظر إلى إفريقية وبقية العالم القديم، وكانت سواحل إسبانيا الشرقية منذ القدم هي السواحل المواجهة لفينيقية وبلاد الشام والتي تستقبل تجارة الفينيقيين (العرب الأوائل في سواحل لبنان وفلسطين) عبر المتوسط ومعها ثقافتهم وعقائدهم كذلك.. كما أن وقوع إسبانيا على دوائر عرض مشتركة مع بلاد الشام وجنوب الأناضول جعل ظروف المناخ وطبيعة المحاصيل الزراعية وطبيعة أراضيها عموماً متشابهة إلى حد بعيد مع تلك البلاد النائية ما زاد من أسباب التقارب والتواصل بين شعوب المتوسط على ضفتيه الشرقية والغربية. ـ
وعلى مر العصور كانت شبه الجزيرة الإسبانية هي صفحة اليابسة المواجهة للمشرق وهي في الوقت نفسه وجه أوربا وعينها المطلة على فضاء المحيط الأطلنطي اللامتناهي والذي كان يطلق عليه في الماضي "بحر الظلمات"، وكان من الطبيعي في إطار كل هذه المعطيات الجغرافية أن يصبح لإسبانيا هذا الموقع الاستراتيجي الفاعل عبر مراحل التاريخ المتوالية، وأن تكون شبه الجزيرة هي ميدان اللقاء والمواجهة والتفاعل بين أوربا المسيحية وبين العالم الإسلامي كلٌ بحضارته وتاريخيه ورسالته وأسباب ومظاهر القوى المعنوية الناعمة والقوى المادية القاهرة على السواء، كما أنه كان من الطبيعي والمعقول أن تنطلق اليد الأوربية من البر الأسباني لتتحسس ما وراء المحيط وليبصر الوجه الأوربي المطل على المحيط لأول مرة ساحلاً غربياً لهذا الامتداد الشاسع من المياه وليبدأ في كتابة صفحة جديدة من صفحات التاريخ الإنساني وتاريخ الحضارة البشرية وسنن الإمبراطوريات، كان كل هذا مترتباً على وقوع إسبانيا رقعة فاصلة بين شرق العالم وغربه، ومساحة يابسة واصلة بين جنوب العالم وشماله، وملتقىً للحضارات الإنسانية ومسرحاً للنزاعات ومدرسة من مدارس التاريخ تستحق منا أن نقرأ فيها ونتعلم سنن الحضارات ومآثرها ومراثيها، لندرك كيف يمكننا أن نكتب بأيدينا صفحات التاريخ للزمن القادم.. ـ
ومن الناحية الداخلية فإن شبه الجزيرة تبرز لنا وجهاً تضاريسياً يبدو بعض الشيء معقداً، ولكن قبل أن نخوض في الطبيعة التضاريسية لأرض الجزيرة، ينبغي أن نقف برهة عند أثر المعالم التضاريسية للأرض في رسم حركة التاريخ، فإننا لن نكون مبالغين حين نشبه حركة النزاعات بين الأمم والشعوب ومد الإمبراطوريات وصدام الحضارات بحركة الماء المنساب من أعلى تل إلى أدناه إذا قابلته كتلة من الصخور انحرف عن مساره إلى مسار آخر وإذا استوقفه سدٌّ علا وتجمع حتى يسلك طريقاً آخر أو يفيض من فوق السد فيستكمل حركته واندفاعه، وإنما تعمل الجبال والوديان والأنهار والبحار في سير حوادث التاريخ وحركة الأمم كما تصنع تلك الموانع الطبيعية البسيطة التي تصورناها في سير حركة الماء وتدفقه، فنحن حين ننظر إلى خارطة أوربا السياسية كما هي مرسومة اليوم أمامنا، لن يكون من قبيل المصادفة أننا نرى جل الحدود السياسية المرسومة متوافقة أو "متوقفة" على نحو ما عند معالم طبيعية كالأنهار أو سلاسل الجبال، فإيطاليا تستظل في الشمال بجبال الألب، وفرنسا تقف بين البرينيه في الجنوب ونهر اللورين والأراضي الوطيئة في الشمال، وبريطانيا تقف عند مضيق دوفر ويفصلها القنال الإنجليزي عن بقية البر الأوربي، وهذا مثال مبسط وواضح من واقع اليوم على أثر التضاريس والمعالم الطبيعية للأرض في تاريخ الأمم وسياسات الدول، وقد كان كذلك لطبيعة إسبانيا وتضاريسها أعظم الأثر في رسم صورتها عبر مراحل التاريخ المتتابعة بداية بحكم الرومان مروراً بغزو قبائل البربر، ثم الدولة الإسلامية، انتهاءً بالمملكة الكاثوليكية ثم إسبانيا الحديثة.. ـ
فإسبانيا تبدو للوهلة الأولى كهضبة كبيرة، وهي تحتوي على عدة سلاسل جبال أبرزها من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي: جبال كانتابريا ومرتفعات جليقية، سييرا جوادراما (جبال وادي الرملة)، سييرا مورينا (جبال الشارات)، سييرا نيفادا وهذه السلاسل الأربعة تخترقها مجموعة من الأنهار كلٌ يشكل وادياً يفصل إحداها عن الأخرى، وهي على نفس الترتيب: نهر دويرو، نهر التاجوس، نهر وادي يانة (جواديانا)، نهر الوادي الكبير (جواديلكيفير).. وقد رسمت هذه السلاسل بأنهارها الأربعة الفصول الأربعة لتاريخ إسبانيا منذ عام 711م وحتى عام 1492م، ومن فوق كل هذه التفاصيل أتت سلسلة جبال البرينيه لتكون الغطاء الذي يغلق العلبة على ما تحتويه، هذه العلبة بالطبع هي شبه الجزيرة الإسبانية التي نتحدث عنها.ـ
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية